کد مطلب:280401 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:272

فتنة التأویل و التحریف
لا شك فی أن تحریف الأصول السماویة عمود أساسی یقوم علیه فساد الدین الفطری، وهذا الفساد یهدد الإنسانیة بالانهدام، لأن الفرد الذی یفسد دینه الفطری لا تتعادل قواه الحسیة الداخلیة. فیتبع القوی الخارجیة التی تنسجم مع هواه وباتباعه لها یقوی جانبها فی الصد عن سبیل الله، وتحریف المسیرة الإسرائیلیة للكتاب ونسیانهم حظا من الدین وكذبهم علی الله بواسطة القصص التی قصوها علی الشعب، كل ذلك لا شك فیه واعترف به العهد القدیم وعلماء الكتاب المقدس وأخبر به القرآن الكریم.

والتحریف كان لهدف. وهدفه ما استقر علیه القوم فیما یتعلق بشعب الله المختار، ففی اتجاه هذا الهدف أولوا ما ورد فی النبی الخاتم (ص) من بشارات. ومن قبل أولوا ما ورد فی المسیح ابن مریم علیه السلام. وقالوا: إن المسیح الموعود لم یجئ بعد وهم ینتظرون قدومه إلی الیوم، لیحكموا به الشعوب ویعود به ملك داوود عنوان ووعاء عهد الله لإبراهیم، ونظرا لأن الجرائم والآثام تحیط بالمسیرة الإسرائیلیة. فإن التحریف رفع عن المسیرة هذا الحرج فنسبوا إلی الأنبیاء ما لا یجوز فی حقهم، فالأنبیاء عندهم أول من سن عبادة العجول وأول من سن إقامة التماثیل وعبادة آلهة الأمم! وعلی هذه القاعدة فبما أنه لا یمكن أن تخرج نبیا من الأنبیاء من تحت سقف الأنبیاء. لارتكابه معصیة بهذا الحجم. فكذلك لا یمكن أن تخرج الشعب من تحت سقف شعب الله المختار. لاتباعه ما سنه الأنبیاء ولارتكابه الجرائم والمعاصی، وبالجملة: كان التحریف من أجل رفع حرج وقعت فیه المسیرة علی امتداد تاریخها، وكان من أجل هدف التقطته المسیرة من دیار العالم الخارجی. ثم أضفت علیه بعض المعالم



[ صفحه 96]



السماویة الباهتة لیكون له مشروعیة القبول.

وشهادة العهد القدیم فی نسیان بنی إسرائیل حظا مما ذكروا به، جاء علی لسان أرمیا. قال: أما وحی الرب فلا تذكروه بعد. لأن كلمة كل إنسان وحیه إذ قد حرفتم كلام الإله الحی. [1] وقال فی تحریفهم وكذبهم علی الله: كیف تقولون نحن حكماء وشریعة الرب معنا حقا إنه إلی الكذب حولها قلم الكتبة الكاذب. [2] وقال فی ثقافة القص التی كذبوا علی الله لیكون للشذوذ قاعدة: الذین یأخذون لسانهم ویقولون قال - ها أنذا علی الذین یتنبأون بأحلام كاذبة، یقول الرب: الذین یقصونها ویضلون شعبی بأكاذیبهم ومفاخراتهم. وأنا لم أرسلهم ولا أمرتهم. فلم یفیدوا هذا الشعب فائدة. [3] .

أما شهادة علماء الكتاب المقدس. ومنهم المفسر (هارسلی) یقول: لا شك فی تحریف الكتاب المقدس. فی متنه وأصله. یدلنا علی ذلك اختلاف النسخ حیث الاختلاف آیة الاختلاق. فقد أدخلت كلمات وقحة فی المتون المطبوعة مما لا یناسب ساحة الوحی. [4] ویقول الدكتور (همفری): [5] إن تدخل الأوهام فی العهد العتیق بین لحد یتضح للقارئ بأدنی تأمل. إنهم قضوا علی البشارات المسیحیة فی العهد القدیم). ویقول (كریزاستم): لقد انمحق الكثیر من كتب الأنبیاء.

حیث حرفتها الیهود علی غفلة وعلی عمد. فمزقوا البعض منها.



[ صفحه 97]



وحرفوا ما تبقی. [6] .

أما شهادة القرآن الكریم بأن أهل الكتاب حرفوا أو نسوا حظا مما ذكروا به. فلقد جاءت فی أكثر من آیة. منها قوله تعالی: (من الذین هادوا یحرفون الكلم عن مواضعه). [7] ففی هذه الآیة وصف تعالی هذه الطائفة بتحریف الكلم عن مواضعه. وذلك إما بتغییر مواضع الألفاظ بالتقدیم والتأخیر والإسقاط والزیادة. وإما بتفسیر ما ورد عن موسی علیه السلام وعن سائر الأنبیاء بغیر ما قصد منه من المعنی الحق، وقوله تعالی: (فبما نقضهم میثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسیة یحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظأ مما ذكروا به) [8] قال فی المیزان: إن أهل الكتاب إنما ابتلوا بما ابتلوا له لنسیانهم میثاق الله سبحانه، ولم یكن إلا میثاقا بالإسلام لله، وكان لازم ذلك أن یتقوا مخالفة ربهم ویتخذوه وكیلا فی أمور دینهم یختارون ما یختاره لهم، ویتركون متابعة غیر الله ورسله، لكنهم نبذوا المیثاق وراء ظهورهم فأبعدوا من رحمة الله، وحرفوا الكلم عن مواضعه وفسروها بغیر ما أرید بها، فأوجب ذلك أن نسوا حظا من الدین ولم یكن إلا حظا وسهما یرتحل بارتحاله عنهم كل خیر وسعادة، وأفسد ذلك ما بقی بأیدیهم من الدین، فإن الدین مجموع من معارف وأحكام مرتبط بعضها ببعض یفسد بعضه بفساد بعض آخر، سیما الأركان والأصول. [9] .

وإفسادهم للدین الفطری یتضح للقارئ بمجرد أن یتأمل عقیدتهم فی الله ورسله علیهم السلام، فالتحریف جعل التوراة تشتمل



[ صفحه 98]



علی أمور فی التوحید لا یصح إسنادها إلی الله تعالی. كالتجسیم والحلول فی المكان ونحو ذلك، ونسب ما لا یجوز العقل نسبته إلی الأنبیاء الكرام من أنواع الكفر والفجور والزلات، وهذا المنهج إذا إختلط بعقیدة سماویة أفسد ما بقی منها، ویقول د. جوستاف لوبون عن عقیدة الیهود: فی وادی الفرات وفی مصر نشأت دیانة بنی إسرائیل. أو علی الأصح مختلف العبادات التی مارسها بنو إسرائیل، وذلك بین إقامتهم بفلسطین وعودتهم من السبی، حتی أن أسماء آلهتهم تدل علی أصلها، ولیست الآلهة الكبری الشهوانیة عشتروت التی كان العبریون یعبدونها. إلا زهراء فینوس بابل عشتار.. وحتی فی دور السبی كان شعب إسرائیل قد بلغ من الغرق فی الاشراك. ما كان یتعذر معه عزیمة ملك أو خطب نبی تخلیصه منه.. ودام دین الیهود القائل بتعدد الآلهة بعباداته الكثیرة وطقوسه المتنوعة وأساطیره المتكاتفة. [10] وقال د.

جوستاف لوبون عن عقیدة الیهود بعد دور السبی: لم یعبد بنو إسرائیل إلها یمكن أن یكون رب الأمم الأخری، ثم یصل د. لوبون إلی نتیجة مفادها: لم تكن الدیانة الیهودیة فی كل زمن. مطابقة لما نسمیه الیوم بالیهودیة. ولا شبه بین إله الیهود الراهن وإله سیناء یهوه. فبنو إسرائیل كانوا یعبدون ألوهیمات فی أثناء حیاتهم البدویة التی قضتها أجیالهم الأولی. ولذلك لا ینبغی أن یطلب من هذا الشعب البسیط تعریف وثیق لموضوع عبادته. [11] .

أما ما نسبوه إلی الأنبیاء الكرام من أنواع الكفر والفجور، فكان الهدف منه تبریر أخطاء المسیرة، بمعنی أنهم إذا أجازوا علی الأنبیاء الوقوع فی الزلات، تلتمس الأعذار لمن دونهم إذا وقعوا فیها أو فی



[ صفحه 99]



أشد منها، وإذا كان التحریف قد قطع شوطا كبیرا فی نسبة الزلات إلی الأنبیاء، إلا أن القارئ للعهد القدیم یقع فی حیرة عندما یجد نصوص أخری تمتدحهم، وتزول الحیرة إذا علمنا أن القوم اعتمدوا فی حركتهم علی أشد الأمور فتكا وإثارة للفتنة، وهو تلبیس الحق بالباطل، لیكون عندهم لكل سؤال جواب.

فهارون علیه السلام. أشارت التوراة إلی تطهیره من المعاصی.

واختیار الله له لیكون مفسرا للشریعة، وغیر ذلك من الأمور التی تبین وقع أقدامه علی الطریق المستقیم، [12] وفی مقابل هذا ذكرت التوراة أن هارون هو الذی أقام العجل لبنی إسرائیل وبنی مذبحه، یقول العهد القدیم فقال لهم هارون: انزعوا أقراط الذهب التی فی آذان نسائكم وبنیكم وبناتكم وأتونی بها، فنزع كل الشعب أقراط الذهب التی فی آذانهم وأتوا بها هارون، فأخذ ذلك من أیدیهم. وصوره بالأزمیل.

وصنعه عجلا مسبوكا. فقالوا هذه آلهتك یا إسرائیل التی أصعدتك من أرض مصر، فلما نظر هارون بنی مذبحا أمامه! [13] لم یشیروا إلی السامری الذی أضلهم وجاء ذكره فی القرآن الكریم. لأن موقع السامری لا یرفع عن المسیرة حرج.

وفی موضع آخر من العهد القدیم. افتروا علی موسی وهارون علیهما السلام بفریة العصیان، ومن هذا: فقال الرب لموسی وهارون من أجل أنكما لم تؤمنا بی حتی تقدسانی أمام أعین بنی إسرائیل. لذلك لا تدخلان هذه الجماعة إلی الأرض التی إعطیتهم إیاها. [14] وفی موضع آخر نری نصا یقول بأن الله كان یأمر وموسی یطیع، وكان الله معه فی



[ صفحه 100]



كل خطواته، لقد قالوا لیوشع بن نون عندما قاتلوا معه كل ما أمرتنا به نعمله وحیثما ترسلنا نذهب. حسب كل ما سمعنا لموسی نسمع لك.

إنما الرب إلهك یكون معك كما كان مع موسی. [15] .

وتناول العهد القدیم سیرة سلیمان علیه السلام، وبینما نجد نصوصا تمتدحه، نجد نصوصا أخری تنسب إلیه الزلات، فالنصوص التی امتدحته بینت كیف كان یحذرهم من مخالفة أوامر الله، وعندما قدم العهد القدیم أمثال سلیمان صدرها بقوله: أمثال سلیمان بن داوود ملك إسرائیل. لمعرفة حكمة وأدب. لإدراك أقوال الفهم. لقبول تأدیب المعرفة والعدل والحق والاستقامة. لتعطی الجهال ذكاء والشاب معرفة وتدبرا. یسمعها الحكیم فیزداد علما. والفهم یكتسب تدبیرا. لفهم المثل واللغز. أقوال الحكماء وغوامضهم. مخافة الرب رأس المعرفة [16] وتقابل هذه النصوص نصوص أخری منها قولهم: وأحب سلیمان نساء غریبة كثیرة مع بنت فرعون. موآبیات وعمونیاث وأدومیات وصیدونیات وحیثیات. من الأمم الذین قال عنهم الرب لبنی إسرائیل لا تدخلوا إلیهم وهم لا یدخلون إلیكم. لأنهم یمیلون قلوبكم وراء آلهة أخری. فالتصق سلیمان بهؤلاء بالمحبة. [17] وقال العهد القدیم إن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخری [18] وقال فذهب سلیمان وراء عشتروت آلهة الصیدونیین [19] وقال بنی سلیمان مرتفعة لكموش رجس الموآبیین [20] وقال وهكذا فعل لجمیع نسائه الغریبات اللواتی كن یوقدن ویذبحن



[ صفحه 101]



لآلهتهن. [21] فمن هذه النصوص أخذوا تبریرا لاتجاه مسیرتهم نحو الآلهة المتعددة، ومن نص آخر أخذوا تبریرا للأسباب التی أدت إلی تمزیق مملكة سلیمان إلی مملكتین، یقول فقال الرب لسلیمان من أجل أن ذلك عندك، ولم تحفظ عهدی وفرائضی التی أوصیتك بها. فإنی أمزق المملكة عندك تمزیقا. [22] .

وبوقود التحریف ظهرت التربیة الغیر رشیدة. التی أثرت علی سلوك المسیرة وشعورها وأفرغت علیها طابعا خاصا فیما بعد.


[1] أرميا 23 / 36.

[2] المصدر السابق 8 / 8.

[3] المصدر السابق 23 / 31.

[4] تفسيره في مقدمة كتاب يوشع 282 / 3 نقلا من كتاب المقارنات / د. الصادقي ص 89.

[5] كتاب همفري ص 17، 18، ط سنة 1841 نقلا من كتاب المقارنات ص 90.

[6] تفسيره التاسع علي إنجيل متي نقلا من كتاب المقارنات ص 91.

[7] سورة النساء آية 46.

[8] سورة المائدة آية 13.

[9] الميزان 239 / 5.

[10] اليهود في الحضارات الأولي / جوستاف لويون ص 58 وما بعدها.

[11] المصدر السابق ص 62 وما بعدها.

[12] أنظر سفر العدد 18 / 1، 19 / 1 والخروج 29 / 1 - 30.

[13] الخروج 32 / 2 - 6.

[14] عدد 12 / 20.

[15] يوشع 16 / 1.

[16] أمثال 1 / 1 - 7.

[17] ملوك أول 11 / 1.

[18] المصدر السابق 11 / 5.

[19] المصدر السابق 11 / 6.

[20] المصدر السابق 11 / 7.

[21] المصدر السابق 11 / 8.

[22] المصدر السابق 11 / 12.